* **زواج المصلحة: حين يزهر الحب في أرض قاحلة**
في قلب حارة ضيقة، حيث تتلاصق البيوت القديمة
المتآكلة، يعيش "يوسف"، شاب في ريعان شبابه، لم يعرف طعم السعادة قط. لم
تكن الابتسامة تعرف طريقها إلى وجهه الشاحب، ولم تلمع عيناه ببريق الأمل يومًا. كانت
حياته عبارة عن سلسلة متصلة من الأيام الرمادية، تزداد قتامة مع مرور الوقت.
![]() |
| * **زواج المصلحة: حين يزهر الحب في أرض قاحلة** |
كان يوسف يعيش في كنف أسرة فقيرة معدمة، تعاني
من ضنك العيش وشظف الحياة. لم يكن الفقر وحده هو ما يثقل كاهله، بل أيضًا التسلط
والتحكم المطلق من قبل أفراد أسرته، الذين كانوا يرسمون له مسار حياته دون أدنى
اعتبار لرغباته أو أحلامه.
بلغ جبروتهم ذروته
عندما قرروا اختيار عروس له
دون أن يراها أو يعطي رأيه بها. لم يكن ليوسف الحق في الاعتراض أو حتى إبداء رأيه،
فالقرار قد اتخذ، والأمر قد قضي.
- كان "الحاج محمود"، والد يوسف، رجلًا قاسيًا، لا يعرف الرحمة أو الشفقة. كان يؤمن بأن المال هو
- كل شيء، وأن السعادة تكمن في الثروة والنفوذ. لم يكن يرى في ابنه سوى وسيلة لتحقيق مصالحه
- الشخصية، وانتشال
أسرته من براثن الفقر.
وقع اختيار الحاج محمود على "فاطمة"
فتاة حاصلة على شهادة جامعية مرموقة، وتنتظر بفارغ الصبر الحصول على وظيفة حكومية
ذات راتب جيد. كان الحاج محمود يطمع في راتبها، ويرغب في أن تتحمل معه أعباء
المنزل وتكاليفه التي لا تنتهي أبدًا.
- كان الحاج محمود يعيل أسرة كبيرة تتألف من أخته وابنتيها كبيرتي السن، وزوجته العجوز، وابنه
- الوحيد يوسف. بالإضافة إلى ذلك، كان قد اقترض مبلغًا كبيرًا من المال لإنشاء مشروع تجاري خاص
- به، ولكنه فشل فشلًا
ذريعًا قبل أن يبدأ حتى.
لم يجد الحاج محمود حلًا لأزمته المالية الطاحنة
سوى زواج ابنه الوحيد من أجل المصلحة. ذهبوا إلى منزل الفتاة لخطبتها، وأوصوا يوسف
بألا يتكلم مطلقًا، وأن يكتفي بالصمت والاستماع.
كانت الفاجعة الكبرى ليوسف
عندما رأى فاطمة لأول
مرة. كانت تعاني من الوزن الزائد بشكل ملحوظ، وكانت بعيدة كل البعد عن فتاة أحلامه
التي كان يضع لها معايير خاصة بالجمال والرشاقة. لم يستطع يوسف التفوه بكلمة
واحدة، خشية غضب أهله، ولكنه كان يسخط على حاله ويتمنى لو أن الأرض تنشق وتبلعه.
- قضي الأمر وتم الاتفاق على كل شيء، حتى موعد الزفاف تم تحديده. ومن جديد، اقترض الحاج
- محمود مبلغًا آخر من المال من أجل زواج ابنه. وأتت فاطمة لتسكن معهم في نفس المنزل، ومن اليوم
- الأول انكشفت لها حقيقة من
بالبيت وطباعهم الصعبة.
في ليلة زفافها
تركها يوسف وخرج من جوارها، دون
أن ينبس ببنت شفة. وعلى الرغم من ذلك وكسرة خاطرها، إلا أنها تعاملت معه ومع أهله
بأفضل طريقة ممكنة. كانت تقوم بكافة الأعمال المنزلية بابتسامة لا تفارق وجهها،
وبروح طيبة وقلب رحيم. وفي المقابل، كانت لا ترى منهم إلا سوء معاملة لا نظير لها،
وتجاهلًا تامًا لجهودها وتضحياتها.
- وفي يوم من الأيام، تجرأت فاطمة وسألت يوسف عن سبب موافقته على الزواج بها. أبى يوسف أن
- يجيب عليها، وتجاهل سؤالها تمامًا. فقررت فاطمة أن تفعل كل ما بوسعها ليقبلها كزوجة له، ويراها
- بعين الحب والتقدير. ارتدت له أجمل الثياب، وتجملت وتزينت لأجله، وقامت بإغوائه ظنًا منها بأن
- لديه مشاكل
نفسية أو عاطفية، وفي محاولة منها لمساعدته على تخطي الأمر.
لم يستطع يوسف مقاومة إغراء فاطمة، وحدثت بينهما
أول علاقة زوجية. استيقظت فاطمة من نومها قبله، وأعدت له طعام الإفطار الشهي،
وقدمته له بحب واهتمام. أما يوسف، فذهب إلى النادي الرياضي ليخرج كامل الطاقة
السلبية التي كان يشعر بها، وليتخلص من إحساسه بالذنب والخجل.
كان يوسف لا يريد فاطمة زوجة له
وبالنسبة إليه،
كانت مسألة حياة أو موت قبوله بها زوجة له. كان يشعر بأنها أمر قد فرض عليه، وأن
أهله دمروا حياته بالكامل، وحرموه من حقه في اختيار شريكة حياته.
- كان ليوسف صديق مقرب، قد استطاع الوصول إلى الفتاة التي أحبها، وتزوج بها. كان يتباهى دائمًا
- بمدى جمالها ورشاقة جسدها، ويثني على ذوقها الرفيع وأناقتها اللافتة. كان حديث صديقه يوجع
- يوسف بشدة، ويزيد من
شعوره بالمرارة والحسرة.
في أحد الأيام
نظر يوسف إلى زوجته فاطمة،
فوجدها قد انخرطت مع الموجودين في حفل زفاف، وقد اندمجت معهم بكامل قواها، وتضحك
وتمرح وكأنها أسعد امرأة في الكون. أحزنه ذلك كثيرًا، فقد كان لا يرضى عنها بكل
المقاييس، علاوة على كونه يشعر بأنها فرضت عليه، وأنها لا تستحق أن تكون زوجة له.
- اقترب منه صديق طفولته، والذي كان يحزن على حاله كثيرًا، ويشفق عليه من الظلم الذي يتعرض له.
- حاول أن يقنعه بأن يتقبل زوجته، ولاسيما كونها تبدو طيبة القلب ومخلصة، وعلى الرغم من تجنبه
- إياها، إلا أنها لا
تزال تحافظ على بيتها وزوجها، وتسعى لإسعاده بكل الطرق الممكنة.
قال يوسف في حالة من الغضب الشديد: "إنك
لست مكاني، ولن تتحمل ليلة واحدة بجوارها. إنك لا تعرف ما أتحدث عنه، ولا تفهم حجم
المعاناة التي أمر بها".
ولسوء حظه، كانت فاطمة قد اقتربت منه لتطمئن
عليه، عندما شعرت بأن خطبًا ما أصابه. سمعت كل ما قاله يوسف لصديقه، وشعرت بصدمة كبيرة
وخيبة أمل لا توصف.
تركته فاطمة دون أن تتفوه بكلمة واحدة
وعادت
إلى المنزل وهي تجر أذيال الخيبة. جمعت كامل أغراضها وثيابها، وعادت إلى منزل
والديها. وفي اليوم التالي، ذهبت إلى المحكمة وطلبت الطلاق.
- وما إن وصل أهل يوسف إعلان الطلاق، صعقوا وذهلوا، وجميعهم لاموه على الأمر، وحملوه
- مسؤولية ما حدث. فهم ليسوا في مقدرة لتحمل مصاريف الطلاق، علاوة على خسارتهم لزوجته
- الموظفة وراتبها الذي كانوا
يعتمدون عليه بشكل كبير.
ولأول مرة طوال حياته
ينهار يوسف ويصرخ في
وجوههم، ويعبر عن غضبه واستيائه من الظلم الذي تعرض له. قال لهم: "لقد دمرتم
لي حياتي كاملة، وحرمتموني من حقي في السعادة. لقد حولتموني إلى مجرد أداة لتحقيق
مصالحكم الشخصية".
- كان يوسف يتعجب من حاله، لأنه كان كثيرًا ما يفكر في زوجته فاطمة، على الرغم من أنه كان يوقن
- بأنه لم ولن يقع في حبها. وأنه كان دائمًا في انتظار الفرصة المناسبة للتخلص منها، وإصلاح ما تبقى
- من حياته. عهد للعمل ليل نهار لتوفير تكاليف الانفصال عنها، ولكنه على الدوام كان يشعر بالنقص،
- بل ويجد نفسه يذهب لمنزلها وينظر إليه بالساعات الطوال!
كانت هناك مسابقة رياضية
أراد أهل الشاب أن
يشارك بها، ولكن شروط المسابقة كانت تتطلب من كل زوج أن يحمل زوجته على ظهره
ويتخطى بها الصعاب والعقبات. التف الأهل من وراء الشاب، وذهبوا إلى والد فاطمة
وأعلموه بأن ابنهم يريد أن يرد زوجته، ويتأسف لها على ما بدر منه.
- كان والد فاطمة صعب المراس، ولم تقوى ابنته على ضمه لصفها، وبأنها تريد الانفصال عن زوجها
- ولم تجرؤ على توضيح ما يحدث معها.
ورغمًا عنها، عادت فاطمة لمنزل زوجها، ولكنها ما
إن وطئت قدميها المنزل، أوضحت كافة شروطها، وأنها لن تقبل بأي تجاوزات في حقها،
وبأن الحقيقة صارت واضحة وجلية للجميع، فلا داعي للنفاق والتظاهر.
- ازداد إعجاب يوسف بزوجته، وبشخصيتها القوية والصادقة. وعلى الرغم من شخصيتها القوية، إلا
- أنها أيضًا تمتلك قلبًا طيبًا وحنونًا. فكانت كلما وجدت زوجها أو أي من أهله يحتاج لمساعدة وعون، لم
- تتأخر في
ذلك دون طلب منهم.
أرادت فاطمة أن يفوز زوجها بالسباق
ولكنها
أشفقت عليه بسبب وزنها الزائد. كانت قد قرأت كثيرًا للوصول لأفضل الحلول لذلك،
زوجها كان رياضيا، فعلى الرغم من تدخلات أهله، إلا إنهم عجزوا عن منعه من الذهاب
للصالة الرياضية. حملها بكل سهولة، ولكن المسافة كانت بعيدة للغاية، والتحديات
صعبة وموجعة. كانت فاطمة تعطيه الكثير من التعليمات والتوجيهات، وبالفعل استطاعا
الوصول للمرحلة النهائية، ولم يكن في التحدي إلا اثنين، كان عليهما أن يعبرا بركة
طينية.
سقط آخر متحديان بها، ولكن يوسف نهض وحمل زوجته،
والتي لم تتأثر بالطين الذي لحق بها، بخلاف زوجة المتحدي الآخر التي انزعجت بسبب
شكلها الذي بات مقرفا للغاية.
- فاز يوسف بالسباق، ولكنه لم ينزل زوجته عن ظهره، بل وجد نفسه يكمل حملها حتى أوصلها
- لمنزلهما، في دلالة منه بتقبلها كما هي، وعزمه على إكمال حياتهما سويًا، وعلى بدء صفحة جديدة من
- الحب والتفاهم والاحترام
المتبادل.

إرسال تعليق